حكاية عم كحلاوي: بائع السمك الذي أسر قلوب السياح بالقاهرة
في قلب شارع الخيامية بالدرب الأحمر، حيث تمتزج رائحة التاريخ بضجيج الحرف القديمة، يجلس عم كحلاوي، رجل ستيني بسيط تحكي ملامحه الأصيلة عن سنوات طويلة من الكفاح والصبر، فيما ينشر حضوره حوله بهجة خفيفة لا تحتاج إلى كلمات.
قصة كفاح من أسيوط إلى القاهرة
قبل أن يصبح كحلاوي عبد الحفيظ محمد بائع السمك المعروف في الخيامية، كان صبياً صغيراً يراقب العالم من زوايا أسيوط الريفية، بين شقاء الفلاحة وقسوة الحياة، تعلم دروس الصبر ومعنى العمل الشريف.
يقول عم كحلاوي: "أبويا عليه رحمة الله كان راجل على قد حاله، كنا نشتغل عند الناس، مش عيب ولا حرام. كان عندي ست سنين لما بدأت أتعلم الزراعة والفلاحة. الشقى كان تقيل وصعب، لكن ده خلاني أحط هدف وأكون متطلع أشوف الناس والدنيا وأعيش وأتجوز وأربي عيالي تربية حلوة، والحمد لله ربنا وفقني وكرمني".
خمسون عاماً في تجارة السمك
منذ خمسين عاماً، وعم كحلاوي مقيم في القاهرة، دخل تجارة السمك وهو في الثالثة عشرة من عمره كأصغر تاجر في السوق. بين أزقة الدرب الأحمر وأصوات الباعة والزبائن، كان سوق السمك القديم خلف جامع الصالح بمثابة العالم الجديد لهذا الصبي المتحمس.
"أنا مقيم في القاهرة بقالي 50 سنة، دخلت تجارة السمك وأنا عندي 13 سنة، كنت أصغر واحد، بس التجارة دي هويتها"، يضيف بفخر واضح.
حب البنات والأسرة
رزق عم كحلاوي بخمس بنات، توفيت إحداهن، ويعيش الآن مع أربع منهن، زوج ثلاثاً منهن بفضل الله. وعند الحديث عن بناته، يتغير صوته وتلامس كلماته شيئاً أعمق من مجرد فخر الأب.
يقول بحب واضح: "معايا 5 بنات، واحدة منهم توفت، ومعايا دلوقتي 4. جوزت 3 الحمد لله وده فضل كبير من عند ربنا. اللي بيجوز بنت دلوقتي عارف قد إيه الموضوع صعب، بس رزقهم على الله. أنا بحب البنات، والبنات رزقها حلو. ربيتهم على الحب، ودايماً نفسي أشوفهم مرتاحين ومبسوطين".
مبادئ التجارة الشريفة
تعلم عم كحلاوي مبادئ التجارة من رجل حكيم قال له كلمات لا تزال محفورة في ذاكرته: "التجارة دي كلمة من أربع حروف: التاء تكون تقي، والألف تكون أمين، والراء تكون رؤوف، والجيم تكون جرئ".
القطط والرحمة
ما يميز عم كحلاوي ليس فقط بيعه للسمك، بل علاقته الخاصة بالقطط التي تتجمع حوله كل يوم. يعاملها كأولاده، يعرف طباع كل واحدة منها، ويطعمها بحب ورحمة.
"هحكي لكم علاقتي بالقطط، أنا مش بأكلهم وخلاص، دول زي أولادي، عارف إمتى يجوعوا، وعارف لعبهم وهزارهم. القطة مخلوق وليها حق وأهم حاجة الرفق بيها"، يشرح بابتسامة دافئة.
وجهة سياحية عفوية
تحول عم كحلاوي إلى معلم سياحي عفوي في شارع الخيامية، حيث يلتقط السياح من مختلف دول العالم الصور معه، منجذبين لابتسامته الصادقة وقصته الملهمة. حياته المنظمة تبدأ في السابعة صباحاً وتنتهي في الخامسة مساءً، وهو راض بما قسمه الله له.
يختتم حديثه بحكمة الحياة: "أحلى حاجة الرزق الحلال، لما تسعى ربنا هيكرمك ويرزقك. عمر الحياة ما تكون وردية، لازم تقابلنا مصاعب ومتاعب، بس أهم حاجة تنظم حياتك، وتقرب من ربنا، وتعيش برضا وحب".